فسيفساء بردى
- steamomentos
- 24 مايو 2023
- 2 دقائق قراءة
نناقش اليوم فن لم نبدأه لكن لم يزدهر إلا عندما جسدناه وهو فن فسيفساء بردى!
من الحضارة السومرية ظهرت أول لوحة فيسفساء في العالم، وكانت قد كُونت بقطع فخرية باللونين الأبيض والأسود والأحمر، لكن السؤال هو كيف انتقلت الفسيفساء من الحضارة السومرية بعد الآف السنين إلى العصر الأموي؟

وقبل أن نفصل لكم الإجابة، دعونا نأخذ جولة سريعة على الحضارة والثقافة التي سادت بلاد الشام قبل أن يسود الحكم الأموي.
في بلاد الشام سادت البيزنطية وانتشرت الكنائس المسيحية المزخرفة بالفسيفساء في جميع أنحاء بلاد الشام، وهكذا عُرفت البيزنطية بأنها العصر الذهبي للفيسفساء.
لكن مما أستمد البيزنطيون فنون زخارفهم؟ وكيف جسدوها؟
استمد البيزنطيون فنون زخرفتهم الفيسفسائية من مصدرين، أولًا المدن الهلنستية مثل الإسكندرية، والمقصود بالهلنستية هو الدلالة على على الفترة التي انتشرت فيها الحضارة الإغريقية في العالم.
والمصدر الثاني كان من الحضارة الساسانية التي كانت موضوعاتها تُستمد من الأساطير والفن الإسكندري ممثلًا بوجوه ومناظر طبيعية.
إلى أن ظهر الحكم الأموي في بلاد الشام، ليحدث نقلة نوعية في الجانب التصويري للفيسفساء وليرتقي بها من مجرد لوحة إلى طابع إجتماعي وثقافي، و بالتأكيد تأثرت الفسيفساء بالنمط الساد آنذاك للعمارة، وهو الزخارف والفسيفساء البيزنطية.
إلى أن جاء عهد هشام بن عبدالملك لتزدهر العمارة الأموية باستخدام الفسيفساء حتى بلغت ذروتها من البهاء، فأصبحت ترى الفسيفساء كنمط متبع في كل مايُبنى من الحمامات العامة والجوامع والقصور والبيوت.


ومع ازدهار الوضع الاقتصادي في الدولة الأموية، امتلكت الفسيفساء مكانتها عندما اعتلت أحد أهم الجوامع *الجامع الأموي* في عهد الوليد بن عبدالملك، وسُميت بفسيفساء بردى نسبة إلى نهر بردى، وقد مثلت الأقاليم الجغرافية الأربعة التي سادت آنذاك "السند والهند والسودان والروم".
وقد كانت فيسفساء بردى مراعية للضوابط الإسلامية بخلوها من أشكال الحيوانات والطيور، وامتدت زخرفة فسيفساء بردى على شكل نهر يشبه في تفاصيله نهر بردى الذي يتوسط مدينة دمشق، وتظهر في فسيفساء بردى قصور وعمائر ومنازل وميادين وقناطر وأشجار جسدت بألوان مختلفة.
منحت اللوحة بهاء حار الرحالة والعلماء في تفسيره، فقد لعب اللون دوراً هاماً وإستخدم فيها ألوان متعددة، حتى أنه كان للون الواحد عدة تدرجات مختلفة، وتم توزيع حوالي أربع درجات من اللون الأزرق لتشكيل ألوان النهر، مما أكسب الأمواج حركة بصرية توهمك بحقيقته.
وانتشرت قطع فسيفساء فضية شكّلت انعكاساً على سطح الماء لتبدو وكأنها زبد مائي، وجاءت الرسومات منبسطة فوق عمق ذهبي شكّل خلفية تعطي إحساساً بالاتساع والارتفاع والفخامة وأضفى جواً من القداسة يناسب كونها موجودة في جامع. وتعد هذه المصورة ذات أهمية كبيرة في التعرف على عمائر مدينة دمشق.
كما تظهر فيها التأثيرات الفنية المختلفة في بدايات الفن الإسلامي كالتأثير الساساني والبيزنطي وغيرهما، وتعتبر فسيفساء الجامع مع عمارته من بواكير الفن الإسلامي الذي كان لانتشاره شرقًا وغربًا تأثير كبير على تطوُّر الفن في الحضارة الإسلامية.
المراجع:
Comentários